الرغبة في التواصل مع الغير فطرة إنسانية أصيلة، لا يستطيع الإنسان أن يستغني عنها، أو أن يبقى بمفردة دون أن ينخرط في المجتمعات المحيطة به.
وقد يأخذ هذا التواصل العديد من الأنماط التي تحددها سلوكيات البشر بما يتوافق مع القيم والموروثات الاجتماعية، مقدما درجات متفاوتة من التقارب والتباعد، بداية من التعاملات الرسمية وصولا إلى درجة الصداقة، وما بين هاتين الدرجتين تندرج الكثير من الدرجات الأخرى وفقا لطبيعة الأشخاص ولطبيعة المجتمعات التي يعيشون فيها.
لكن عندما يصبح التواصل عالم لا حدود له وتصبح الحريات هاجس لا سقف له وتصبح التوجهات غير محكومة بأي معايير، والأخطر من كل ذلك أن تكون كل هذه الأشياء غير محكومة بضابط ولا رابط من خلال المواقع الاجتماعية ومواقع التواصل على الشبكة العنكبوتية، أظن أن الوصول إلى هذه الدرجة من شأنه أن يفتح الكثير من أبواب الفتنة وإن كان في الأساس ينطوي على خير كثير، لكن كعادة البشر الذين يخرجون كل جديد عن مضامينه وأطره التي حددت له ويميلون به إلى استخدامات أخرى تميل به إلى سلبيات تقود إلى سلسلة من السلوكيات السلبية التي قد تنتهي بأصحابها إلى الانحراف.
لذلك فإن أعظم رقابة يمكن فرضها على راغبي ومحبي التواصل مع الآخرين، هو تعميق الإحساس بالرقابة الذاتية التي يمكن أن تحقق القدر المطلوب من الالتزام الأخلاقي والاجتماعي ومن قبله الالتزام الديني.
وهذه المسؤولية تعود في الأساس إلى المؤسسات التربوية على اختلاف أنواعها، سواء الأسرة أو المدرسة أو حتى المجتمع المحيط، خاصة أن حالة الانفلات الاجتماعي التي تبدو آثارها أكثر سلبية على المجتمعات المحافظة التي لم تعتد ثقافة الانحلال ، وهو الأمر الذي يجعلها عندما تنقلب نحو المزيد من الانفتاح تبدو شديدة الهمجية، خاصة أنها في هذه الحالة سوف تكون تفجيرا عشوائيا لكثير من الطاقات المكبوتة التي يصعب السيطرة عليها فيما بعد.
لكن عندما تعمل المؤسسات التربوية على تعميق الرقابة الذاتية، فإنها سوف تجعل المستخدمين أشد حرصا على عدم الولوج إلى مناطق خطيرة، ربما ثؤثر بشكل مباشر على كافة الأوضاع الاجتماعية بصورة تنذر باختلال منظومة المعايير الاجتماعية واستبدالها بزخم من الثقافات الهجينة التي لا تثمن ولا تغني من جوع.
أعتقد أنه من الجيد أن تجد المجتمعات متنفسا يعبرون فيه عن أفكارهم وأحلامهم وتطلعاتهم عبر احتكاكات لم لهم الحصول عليها إلا من خلال هذه المواقع، لكن أخشى ما أخشاه ألا يتوقف الأمر عند حد التعبير فقط، بل يتجاوز ذلك إلى مساحات لا أقول إنها محظورة، ولكنني أؤكد على كونها تتطلب تخصصية تمكن صاحبها من الولوج إليها دون مخاطرة، خاصة أن فكرة الحديث عن الانطباعات لا يجب تعميمها على جميع القضايا، بل يفترض أن يتم التعرف على نوعية القضايا التي تقبل تناولها من خلال الانطباعات الشخصية والقضايا التي يجب أن تبقى حكرا على المتخصصين، حتى لا نجد أنفسنا أمام هجوم على جميع الثوابت بعدما تتحول الانطباعات مع مرور الوقت إلى ما يشبه القواعد الثابتة