هل كل التصرفات والأفعال التي تقوم بها صحيحة؟ سؤال قد تبدو إجابته سهلة، لكنه في الحقيقة صعب جدا، فبالرغم من أن هناك حدا فاصلا وواضحا بين الخير والشر، وبين الصواب والخطأ، وبين الحلال والحرام، إلا إن ذلك لم يشفع لمعظم الناس أن يقيمٌوا تصرفاتهم ويحددوا في أي اتجاه تسير.
لذلك فلا يجب أن نندهش عندما تطل علينا راقصة من وسائل الإعلام، وتصرح بأن ما تقوم به من “هز وسط”، في ملابس خليعة، مع جملة إيحاءات فاسدة، ما هو إلا رسالة سامية، تحت مسمى الفن، والذي هو بالتأكيد ليس عيبا ولا حراما، ولا نندهش أيضا عندما تتحدث زميلتها الممثلة بعد أدائها مشاهد خليعة في آخر أفلامها، وتقول وهي غاضبة: حسبي الله ونعم الوكيل في كل من يحاول تشويه صورتي واتهامي بتمثيل دور به مشاهد ساخنة!!
والحقيقة الثابتة أن كل إنسان منذ بدء الخليقة يتصور أن ما يقوم به هو الصواب، وما دون ذلك هو الخطأ بعينه، فعندما طلب سيدنا آدم عليه السلام من ولديه قابيل وهابيل تقديم قربان لله عز وجل، تصور كل منهما أن قربانه أجدر أن يتقبله الله، مع أن الصورة التي نقلت إلينا واضحة وضوح الشمس، وما هو القربان الذي ستأكله النار، هابيل قدم جذعة سمينة وكان صاحب غنم، وقرب قابيل حزمة من زرع هي من رديء زرعه، ومع ذلك غضب قابيل عندما لم يتقبل قربانه، وهنا يكون السؤال: هل كان قابيل على قدر من البلاهة التي جعلته يتصور أن قربانه يجب أن يتقبل، وهو بالطبع يرى قربان هابيل صاحب أفضلية؟! أم أن حقده وكبرياءه خدعاه وصورا له هذا التصور؟! أعتقد في صحة الإجابة الثانية.
وعلى هذه الشاكلة نعيش نحن أيضا، كل منا يفعل أشياء تبدو للبعض صحيحة وللبعض الآخر خطأ، ويفعل أشياء يحللها البعض بينما البعض الآخر يحرمها، والغريب أن من يحلل ومن يحرم نحسبه ذا حيثية وصاحب علم! حتى أنه أصبح من المألوف أن تجد عالمي دين، أو خبيرين، أو مفكرين يتحاوران في برنامج تليفزيوني ويختلفان في مسألة ما، ويدلي كل منهما بحججه وأسانيده، يتشاجران ويتشابكان، وقد يتهجمان على بعضهما البعض، وينتهي البرنامج دون أن نصل إلى حقيقة الأمر، ولا نعرف أين الصواب وأين الخطأ!!
أعتقد أن انحسار الهدف النبيل بمعرفة حقيقة الأشياء والوصول إليها، وتفضيل الظهور بمظهر الرابح المنتصر، والنجاح في إثبات وجهة النظر، أهم أسباب حالة اللا توازن التي نعيشها، كما أن غياب الثوابت والقيم ومسلمات الأمور وبديهيات الأشياء من حياتنا ومجتمعنا أدى إلى تعميق هذه الآفة.