كثيرا ما تراود الإنسان بعض الأفكار والهواجس وتلح عليه بشكل يومي، بل ربما تطارده كلما خلا بنفسه، حتى إن البعض يحاول الهروب منها لكنه لا يجد إلى ذلك سبيلا.
والحقيقة أن كل شخص من حقه أن يحلم بما شاء متى شاء وبأي طريقة يريد، لأن الأحلام ليست أكثر من مساحة يهرب إليها البشر من واقعهم إلى عوالم يرضون عنها و يرغبون لها أن تحدث في حياتهم الواقعية.
هذه المساحة بكل المقاييس منة من الله تعالى يمكن استثمارها في تحفيز الطاقات والهمم أو في إزالة الكثير من المتاعب والاستعاضة بما يريح النفس وينقيها من ملوثات الحياة التي تفقدها بعض شفافيتها، ولكن للأسف الشديد البعض جعل من هذه الأحلام التي ليست سوى مجرد نافذة يطل منها الإنسان على بعض ما يعجز عنه في حال صحوه مصدرا للقلق والتوتر والإزعاج لدرجة أنها أصبحت الشغل الشاغل لكثير من الرجال والنساء على حد سواء بل إن البعض جعل حياته رهينة لأحلامه وأحلام الغير، وكأن الأحلام هي التي ترسم مستقبل البشر وتحدد مصائرهم وتوجهاتهم في الحياة.
والحقيقة أنني عندما أتحدث عن هذه النوعية من البشر فإنني لا أنفي على الإطلاق وجود نوعية من الأحلام التي ترتبط بتفسيرات لها نصيب من الحدوث على أرض الواقع، لكن حتى لا ندخل في متاهات نحن في غنى عنها، يجب علينا أولا أن نفرق بين الرؤى المعول عليها والتي وصفها الرسول صلى الله عليه وسلم بأنها الرؤيا الصالحة يراها الرجل أو ترى له، وبين أضغاث الأحلام التي من المفترض ألا يلقي لها العقلاء بالا ولا يقيموا لها حسابا.
وحتى يكون الأمر كذلك لابد أن تكون نظرتنا للأحلام تنطلق من مرجعية دينية خالصة، خاصة أن الأحلام حظيت بمساحة ليست بالقليلة في التشكيل النبوي للشخصية الإسلامية، حتى إنه روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان دائم الحرص على سؤال أصحابه عن رؤاهم، ولكن على الرغم من ذلك فإن المتتبع لهذه الرؤى التي كان الصحابة يقصونها على النبي صلى الله عليه وسلم يدرك تماما أنها كانت تحمل دلالات جديرة بالاهتمام وليست مجرد أضغاث أحلام، كما أن التفسيرات التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يضعها لها كانت هي الأخرى تنطلق وفق أسلوب منهجي واضح، لو أن الأكاديميين اقتفوه الآن لاستخلصوا منه الكثير من الحقائق العلمية والمنهجية في تناول الأحلام سواء من حيث طريقة العرض أو طريقة التلقي.
لكن ومع كل هذا التراث، نستشعر الآن نوعا من اللغط والهمجية غير المبررة في التعامل مع الأحلام، جعلتها تخرج عن الأطر الثابتة التي تكسبها أهميتها الاجتماعية، خاصة بعدما أصبح كل من هب ودب يفتي فيها على هواه من غير الرجوع إلى أي أصول دينية أو أكاديمية، وبعدما أصبحت مادة خصبة لجذب أكبر عدد من المشاهدين على شاشات الفضائيات وبعدما أصبح لها نجوم مثل نجوم الفن وكرة القدم انجذب نحوهم قطاع كبير من الناس يثقون في تفسيراتهم ثقة لا حدود لها، وللأسف معظمهم يستغل هذه الثقة ويضلل الناس ويفتي بغير علم في الدين وفي الحكم على الناس، ويصنع بذلك عداوات ليس من السهل إصلاحها أو تداركها.